المؤنسات الغاليات


هكذا تحدث عنهن النبي (صلي الله عليه وسلم)،فقال: "لاتكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات"رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.  بكل هذا الكم من المشاعر الفياضة أحب (صلي الله عليه وسلم) بناته وأغدق عليهن من عطفه وحنانه فصرن له البنت والأم والصديقة، ولقبت فاطمة الزهراء رضي الله عنها بأم أبيها، وكأنه يلفت انتباهنا ويرسل بأذهاننا إلي رحلة عبر الزمن، نستشرف فيها عمرنا حين يبلغ أرذله، فنضعف من بعد قوة، ونفرغ من بعد شغل، ونعيش الوحدة من بعد العلاقات الكثيرة الممتدة حين نجد أنفسنا وقد انشغل من حولنا بحياتهم وشؤونهم، وبقينا نحن كل في بيته بعد أن كبر الصغار وانفض العمل، حينها نجد هؤلاء المؤنسات الغاليات حولنا يؤنسن الوحدة، ويشغلن الفراغ، ويتفقدن الوالدين بكل مايحملنه من مشاعر متدفقة وحنو أثير.
وهذا لا يقلل من شأن الأبناء الذكور، لكن هذه هي سنة الله في خلقه؛ فقد جبلت الأنثى وخلقت علي المشاعر الفياضة والقلب الحاني، وتربت بفطرتها علي الالتصاق بوالديها وحب المكث في المنزل. قد تترقي في درجات العلم وتلمع في آفاق العمل، لكنها دائماً ما تحن إلي والديها مهما تباعدت بها شواغل الحياة. فطرتها التي جبلت عليها وطبعها الذي خلقت عليه، أما الذكر فمع كل بره واهتمامه بوالديه، يظل طبعه وفطرته هي الغالبة، فينشغل بعمله وإنجازاته العلمية ومسؤولياته الحياتية.
وهذه سنة كونية وحقيقة فطرية، فتظل الأنثى بمشاعرها الفياضة وحنوها المتدفق وقدرتها الاستيعابية مبعث دفء، وبهجة في منزل والديها وزوجها، وتظل هي شقيقة الرجل في رحلة الحياة، تحنو وتجمع.. ترأف وترحم، تعطي من نفسها وجهدها واهتمامها للجميع، فتنشر المحبة والألفة والدفء، لا يمنعها عن دورها الفطري أدوارها الحياتية أو المجتمعية. هذه هي المرأة المسلمة التي تعي دورها جيداً وتفهمه بوضوح.
نعم.. نجدها وقد خرجت مع النبي (صلي الله عليه وسلم) مجاهدةً في الغزوات، وسنداً في الملمات، مداويةً للجرحى ومحفزةً للمجاهدين، فنجد السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها هي الملجأ الذي آوي إليه النبي(صلي الله عليه وسلم) يوم أن نزلت عليه الرسالة وآتاه الوحي، فطمئنته وثبتته وبثت فيه الأمل معلنةً بقوة: "والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتَصِل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَكسِب المعدوم، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحقرواه البخاري، ثم آمنت به وصدقته وأسلمت معه.
ونجد السيدة أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين (رضي الله عنها) وفي فجر الإسلام تلعب دوراً يعجز عنه الرجال؛ حيث تصعد الجبل في حادث الهجرة رغم حملها ومشقة الطريق لتطعم النبي (صلي الله عليه وسلم)وأبيها، وتتصدي لسادة قريش حين يأتون لبيت أبيها باحثين عنه وعن النبي (صلي الله عليه وسلم) لتضرب مثلاً فريداً في الشجاعة والثبات.
وها هي السيدة أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية الجليلة (رضي الله عنها)  تقف موقف الرجال في غزوة أحد، فتزود عن النبي (صلي الله عليه وسلم) وتدافع عنه، وتتلقي الطعنات من المشركين لتظل هذه الطعنات في جسدها الكريم شاهداً علي عظمتها.
إذن هناك الكثير والكثير من النماذج المشرفة للمرأة المسلمة التي فهمت دورها ووعته، وقدَّرت عِظم رسالتها حاميةً لدينها وسنداً لزوجها ومربيةً لأبنائها وعوناً لوالديها، فيخرج من تحت يديها أجيال قوية مؤمنة تعلي راية هذا الدين، وتقود الأمة إلي مصاف الأمم وريادتها. الأنثى هي الأم وهى الزوجة وهى الأخت وهى الابنة، هي شطر المجتمع وهي تربي الشطر الآخر، لذا لم يكن غريباً أن يستشير النبي (صلي الله عليه وسلم) زوجاته في شؤون الأمة وأمورها العظيمة(2)، فهكذا كرم الإسلام المرأة وهكذا احتفي بها سيد الخلق (صلي الله عليه وسلم)فوضعها في مكانتها اللائقة بها.

تعليقات