مغادرة منطقة الراحة خاصتنا



حياة الإنسان ماهى إلا مجموعة من العادات المتراكمة والتى تتجمع فتكون محتوى 
ساعاته وأيامه، ومن ثم حياته بشكل عام؛ وكلمة العادة تأتي من اعتياد الشئ وإلفه والسكون والارتياح إليه، وبالتالي نجد أنه من أصعب الأمور في حياة أي شخص التخلي عن عادة قد بناها لسنوات واعتادها و ألفها، ولايقل عنها صعوبة بناء عادات جديدة وإلزام النفس بالاستمرار عليها؛ فالنفس البشرية بطبيعتها تميل إلى مايريحها وإلى ما اعتادته وألفته، وتخاف من التغيير خوفها من المجهول غير المعروف كنهه ولا عواقبه، من هنا تأتي فكرة التخلي عن (منطقة الراحة )، وهو مصطلح تكلم عنه الكثيرون من الخبراء ووضعوا له تعريفات علمية وشروحات فلسفية، لكنني لا أريد تعقيد الأمر على القارئ، فما يهمني بالدرجة الأولى هو فهم ماهية منطقة الراحة وإدراك أنها الحالة العامة التي نعيش بها أيامنا في شكل روتيني تكراري نركن فيها إلى ذلك الشعور الداخلي الزائف بالراحة والأمان والاستقرار النفسي وعدم الرغبة في تجربة أي شئ جديد أو بذل أي مجهود ذهني أو بدني إضافي، وفي نفس الوقت عدم الرغبة في التخلي عن أي من عاداتنا الحالية حتى ولو كانت تضر بنا وتعرقل جودة حياتنا، إذن نستطيع ان نقول أن من أبرزسمات الاستسلام لمنطقة الراحة الكسل والخوف؛ الكسل عن محاولة ترك محيطنا الروتيني التقليدي المتكرر، والخوف من تجربة أي شئ جديد حتى مع علمنا تمام العلم أنه شئ نافع لنا ولتطوير حياتنا للأفضل.
يقول أحدهم: (إن النجاح موجود في نهاية منطقة الراحة) أي لابد لنا من الخروج من هذه المنطقة؛ خارج دائرتها تماماً وعندها سوف نجد النجاح الذي نتمناه.
فمنطقة الراحة تغرينا بالاستمرار في عمل لا نحبه ولانحقق من خلاله الاكتفاء المالي والمعنوي لمجرد شعورنا بالأمان فيه وخوفنا من فكرة الانتقال إلى عمل آخر أو مشروع شخصي جديد.
منطقة الراحة قد تشعرنا بالاكتفاء بدائرة معارفنا الصغيرة وتمنعنا من أخذ زمام المبادرة في تكوين علاقات جديدة خارج محيطنا المألوف.
منطقة الراحة تشعرنا بأن حياتنا تسير بشكل مستقر وهادئ فلماذا نحاول اكتساب عادات جديدة ونكلف أنفسنا عناء التجربة الجديدة والالتزام والضغط.
منطقة الراحة توهمنا بأننا اكتفينا من التعلم وأنهينا دراستنا النظامية فلم نتكبد عناء القراءة أو أخذ دورة ما او تعلم لغة جديدة.
هذه الأمورقد تحدث كلها أو بعض منها في حياة كل منا، فلكل إنسان دائرة تكمن بداخلها منطقة الراحة خاصته، والبعض قد لايشعر بالمشكلة من الأساس؛ ولكن دعونا نقف لنتخيل أنفسنا بعد خمس سنوات من الآن مثلاً ونحن لم نراوح أماكننا داخل دوامة عاداتنا وروتيننا ومنطقة الراحة خاصتنا، بالتأكيد ليس بالشئ الجيد أن نتخيل أنفسنا ونحن لم نضف أي شئ جديد لحياتنا سواء على الجانب المعرفي أو السلوكي أو الاجتماعي؛ لم يحدث أي تغيير ولم يتم أي إنجازإضافي، بالتأكيد هو ليس بالشئ الجيد على الإطلاق خاصة لو قارننا أنفسنا بآخرين قد غادروا منطقة الراحة خاصتهم واستطاعوا خلال تلك السنوات الخمس تحقيق الكثير من الإنجاز والتغيير.
إذن لإيضاح المعنى وتقريبه إلى الأذهان دعونا نتعرف سريعاً على أسباب استسلامنا للمكث داخل منطقة الراحة ثم نستعرض بعض الحلول المساعدة للخروج من هذه 
المنطقة.
أسباب تفضيلنا البقاء داخل منطقة الراحة: 

1- الكسل
الإنسان بطبعه يفضل الراحة ويركن إليها وبالتالي فإن معرفته بفائدة شئ ما ليس بالضرورة دافعاً لفعل هذا الشئ، فمثلاً جميعنا يعلم فوائد الرياضة للجسم والصحة لكن مع ذلك نجد أن الكثيرين لايمارسونها، ببساطة لأنهم لايريدون الخروج من منطقة الراحة خاصتهم متكبدين عناء البدء في عادة جديدة تحتاج منهم إلى مجهود إضافي ووقت والتزام.
إذن فالتكاسل عن إتيان مناشط جديدة وبناء عادات جديدة قد يكون من الأسباب الرئيسية للاستسلام لمنطقة الراحة.
2- الخوف
الخوف من الأشياء الجديدة والمجهولة قد يدفع البعض إلي الاكتفاء بما هم عليه الآن، فالخوف من الفشل والإخفاق و الخوف من البدايات الجديدة والمجهولة والخوف من رأي الناس وانتقادهم، كلها أمور قد تعيق الشخص عن اقتحام مجال جديد أوالقيام بتجربة شئ جديد أوحتى التخلص من عادة غير جيدة بحياته؛ فيظل لايراوح مكانه مفضلاً الخلود إلى جاذبية منطقة الراحة.

3- ضعف الثقة بالنفس:
لاشك أن ثقة الإنسان بنفسه وقدراته تعد من أكبر الدوافع لتحقيق أي إنجاز في حياته؛ فهي بمثابة المحفز الرئيسي له للانخراط في الحياة بشكل أكثر إيجابية وكسر حاجز الخوف والقلق من البدايات الجديدة، كما أن الثقة بالنفس تقوي من إرادة الشخص لمواجهة مخاوفه وإدارة زمام نفسه بقدر اكبر  من الحزم والإرادة الصلبة.

4- الاستسلام لمضيعات الوقت:
وهي كثيرة جداً للأسف في عصرنا الحالي؛ فمن الممكن ان يكون الإنسان على أتم الاستعداد لتحقيق أهدافه التي حددها لنفسه مراراً وتكراراً لكن ومع الأسف قد لايحقق منها شيئاً أو حتى ينجز منها القليل بسبب استسلامه لإمضاء الوقت في التنقل بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو مشاهدة البرامج التي لاطائل منها أو الخروج بكثرة مع الأصدقاء أو الحديث المتصل عبر الهاتف، إلى آخره من الأمور التي تلتهم الوقت وتسرق الأعمار.
وقبل أن أنتقل إلى مقترحات تساعدنا في الخروج من منطقة الراحة إلى منطقة الإنجاز أود أن أشير إلى أن منطقة الراحة في حياتنا قد تحوي أشياء نتمسك بفعلها ولانريد تركها ظناً منا أنها تضمن لنا الأمان والاستقرار، وقد تحوي أيضاً أشياء لابد لنا من فعلها كي تصبح حياتنا أكثر جودة وإنتاجية، ونصبح أكثر إنجازاً واندماجاً في الحياة.
وأرى من وجهة نظري الشخصية أنه ثمة مجموعة من الخطوات لو قمنا بفعلها سوف نستطيع دفع أنفسنا خارج منطقة الراحة بنجاح، سوف نستعرضها فيمايلي:

1- الرغبة الداخلية:
لابد لنا من الحديث مع انفسنا حول خطورة استمرارنا في منطقة الراحة واستسلامنا لها، فالتغيير الفكري والعقلي هو أهم خطوة في تغيير أي سلوك نود التخلي عنه، تحدث مع نفسك عن ضرورة تحسين جودة حياتك واللأسلوب الذي تعيش به، عن أهمية أن يكون لك إنجازات في حياتك، فنحن نعيش هذه الحياة مرة واحدة ونحن لم نخلق عبثاً أو هملاً، لذا فإن تشبع عقلك بالفكرة واستمرار حوارك مع نفسك حول فكرة ما يحدث لديك تغييراً ذهنياً ويعطيك حافزاً داخلياً لبدأ رحلة التغيير.

2- تحديد الأهداف:
ضع مجموعة من الأهداف التي تود تحقيقها في حياتك واكتبها في ورقة صغيرة وعلقها في مكان ظاهر بحيث تراها دائماً أمامك، وبإمكانك كتابتها في دفتر صغير ومطالعتها كل يوم وتذكر أن الأهداف بدون تخطيط هي مجرد أحلام غير قابلة للتحقيق، إذن خطط لتحقيق أهدافك وحدد لكل هدف وقت ومعيار قياس؛ على سبيل المثال: هدف اكتساب عادة القراءة نستطيع قياسه عن طريق تحديد عدد شهري من الكتب وليكن كتابين وأيضاً تحديد وقت للقراءة وليكن نصف ساعة قبل النوم يومياً، وهكذا باقي الأهداف.

3- بناء عادات جديدة:
تحدثنا في بداية المقال عن أن منطقة الراحة هي الحالة الذهنية التي نستسلم فيها لمجموعة من من العادات التي نؤديها بشكل روتيني ونرتاح لنمط حياتنا بهذه الصورة دون أية رغبة في التغيير، وأرى أن التخلص من هذه السلسلة من العادات التي تشد وثاقنا إلى منطقة الراحة يحتاج منا إلي استبدالها بمجموعة أخرى من العادات الجيدة والتي مع الوقت ستصنع الفارق في حياتنا؛ حيث يمكننا تحديد مجموعة من العادات السلبية وفي المقابل مجموعة أخرى من العادات الإيجابية ومن ثمن نقوم بعملية إحلال، أمثلة:
*استبدال عادة تصفح الهاتف قبل النوم بعادة القراءة وليكن لمدة نصف ساعة في البداية ثم نزيدها بالتدريج.
*استبدال عادة قضاء وقت المساء أمام التلفازبعادة المشي في الهواء الطلق لمدة نصف ساعة مثلاً.
*استبدال عادة شرب المياه الغازية والتي لا يخفى على أحد أضرارها بعادة شرب الماء مع شرائح الليمون مثلاً.
وهكذا في باقي أمور حياتنا هناك الكثير من العادات الجيدة التي لو اكتسبناها واستبدلناها بعادات أخرى سلبية فسوف تحسن من جودة حياتنا وترفع من إنتاجيتنا وتساهم في دفعنا خارج منطقة الراحة إلى منطقة الإنجاز؛ فيمكننا على سبيل المثال تبني عادات جيدة مثل: الاستيقاظ مبكراً، الإكثار من شرب الماء، ممارسة الرياضة، ممارسة القراءة، ممارسة التأمل، اكتساب عادة النظام والترتيب، وهكذا
ومع الاستمرار في هذه العادات وبنائها بالتدريج وذلك بتبني عادة أسبوعية مثلاً مع إضافة عادة جديدة إليها في الأسبوع التالي وهكذا، سنجد بعد فترة من الزمن ليست بالطويلة أن حياتنا قد تحسنت بشكل كبير، ولحسن الحظ أن الخروج من منطقة الراحة او بمعنى آخر تغيير عاداتنا المألوفة غالبًا مايكون صعباً في البداية فقط، وقد يكون مؤلماً للنفس ومنغصاً لسعادة زائفة قد نشعر بها، لكن سرعان ما تزول جميع هذه المشاعر السلبية ويحل محلها شعور رائع بالإنجاز والسعادة بل والرغبة في تحقيق المزيد من الإنجاز.

4- اتبع حلمك ولاتلتفت لتثبيط أحد:
من الأشياء التي قد تدفع البعض للإحجام عن الخروج من منطقة الراحة والتخلي عن العادات السلبية هو الخوف من آراء الآخرين، لذا لاتكترث لرأي أحد؛ لأنه لو اهتم الناجحون بآراء الآخرين لما أنجزوا شيئاً، لذا نصيحتي إذا بدأت في مشروع ما أو فكرة ما أو عمل جديد أو عادة جديدة فلا تأخذ بعين الاعتبار الآراء المثبطة حولك وتمسك بهدفك واتبع حلمك وسترى في النهاية عندما تنجح وتصل إلى هدفك أنهم يسألونك كيف فعلتها ؟!

فيما سبق أوجزت لكم رؤيتي ووجهة نظري الشخصية في ماهية منطقة الراحة وكيفية الخروج منها، وأتمنى أن تكون كلماتي عونًا لكم في التغلب على بريق هذه المنطقة الخادعة ومنطلقاً للخروج منها إلى منطقة الإنجاز وبناء العادات الناجحة.


                                          

تعليقات

إرسال تعليق