دليلك لتربية طفلاً سوياً، لماذا وكيف؟

 


 إن تربية طفلٌ متزنٌ نفسياً يٌعد من أكثر الموضوعات حساسية في التربية، ومن أكثرها خطورة ومن أشد أولوياتي الشخصية في رحلتي مع تربية أطفالي، الحقيقة أن التعامل مع نفسية الطفل خلال مراحل عمره المختلفة هو أمر في غاية الحساسية، ولكن فكرة أن نربي أطفالاً أسوياءً نفسياً هي في رأيي المفتاح لكل معاني التربية الأخري التي نحاول غرسها، هي بمثابة إعداد الأرض وتهيئتها وإمدادها بكل ما تحتاجه من عناصر لاحتواء بذرة جيدة ورعايتها حتي الإنبات والإثمار لتعطيك نبتة قوية صحية تقر بها عينك، حاول أن ترمي أجود أنواع البذور في أرض بور فقيرة غير صالحة لن تحصل على شئ، التربية كذلك تحتاج إلى هذه الأرض الخصبة القادرة علي احتواء بذرتك، تحتاج إلى طفل لديه الاستواء النفسي الذي يجعله مستقبلا جيدا لما تحاول ان تبذله معه وتعلمه إياه من مبادئ وقيم.

قبل الاسترسال في حديثي وإذا كنت من الآباء أو الأمهات أصحاب النفس اللوامة والشعور الدائم بالتقصير أود أن أطمئنك إلى أن الوقت لم يفت بعد، فقط تابع معي المقال لنهايته ودائماً ابدأ في السير عبر الاتجاه الصحيح مهما بدا لك الوقت متأخراً، الاجتهاد مع إخلاص النية لله كفيلان بقلب موازين المعادلة؛ ففي النهاية طفلك ماهو إلا قلب صغير أمره بين يدي رب كريم لذا لاداعي لجلد الذات، البداية وتصحيح المسار هما دائماً أفضل شئ يمكنك فعله عندما تشعر بالتقصير في تربية طفلك.

لماذا نهتم بتنشأة طفلاً سوياً وما أهمية ذلك؟

كما أشرت في البداية أن النفسية السوية هي في رأيي الضمانة لتمرير وغرس مانود من قيم في نفوس أبنائنا وبناء شخصياتهم، بمثابة حجر الأساس والأعمدة التي لاغنى عنها ليعلو البناء على أساس سليم وصحي، إذن لابد من الانتباه لأهمية هذه النقطة لأن بذل الجهد والوقت في أمور أخري قد يراها الأبوان هامة في حين يهملون هذا الجانب قد لاتأتي لهم بالثمرة المرجوة، جميعنا يجتهد في تربية أطفاله لكن قليلون هم من يفعلون ذلك بوعي وذكاء، لذا تأكد أنك تسلك المسار الصحيح، تأكد أن بنائك يعلو ويرتفع على أساس سليم ومتين.

أيضاً فإن تربية طفل سوي في رأيي هي بمثابة أمانة لايحق لنا التفريط في أدائها، الطفل بشكل عام أمانة ونعمة وهبة من الله عز وجل، لذلك نحن مطالبون بحفظ هذه الأمانة وأدائها بحقها، أداء الأمانة لايكون بتلبية احتياجات الطفل المادية فقط والتي هي احتياجات جسدية يركز المعظم عليها ، نحتاج إلي العناية باحتياجات الروح لهذه المخلوقات الجميلة التي أودعها الله لدينا، الروح في أي إنسان هي مصدر سعادته أو شقائه، تستطيع بوعيك وحسن تصرفك أن تمنح السعادة والاستقرار لهذه الأرواح البريئة، فالطفل إذا كان سوياً ومستقراً نفسياً يستطيع ان يعيش سعيداً إيجابياً ناجحاً، يستطيع أيضاً أن يميز بين الخطأ والصواب، إذا ركزت علي هذه النقطة مع طفلك تكون باختصار قد هيأته لحياة طبيعية عندما يكبر؛ فكم من مشكلاتٍ نفسيةٍ يمر بها أناس ويعيشون بها طيلة حياتهم كانو في غنى عنها لو تعامل معهم الآباء بشكل صحيح في صغرهم.

أما عن المجتمع فجميعنا يري ويسمع كل يوم عن أحداث حولنا لاتصدق، الكثير منها سببه تنشأة طفل غير سوي يفتقد التقبل، الحب، الاحترام، يفتقد حقه الطبيعي في التغذية الروحية فيكبر مهزوزاً غير متزن يفتقد المشاعر الطبيعية فيستجديها من أي مكان وبأي طريقة، لذا فأنت عندما تركز علي تنشأة طفل سوي تقدم للمجتمع إسهاماً يدعم استواء المجتمع وإنتاجيته واستقراره.

كيف نربي طفلا ًسوياً:

الآن وبعد أن عرفنا أهمية تربية أطفالنا علي الاستواء النفسي ننتقل لبعض النصائح في كيفية تحقيق ذلك والوصول إليه.

1-وفر في بيتك عوامل الاتزان النفسي:

المحيط الأسري الآمن هو أحد أهم عوامل الاتزان النفسي لدى الأطفال، يشمل هذا احتواء الطفل وإشعاره بالحب والتعبير له عن مشاعرنا الجميلة تجاهه، احترام رأيه وعدم التسفيه منه، عدم اختلاف الأم والأب أو المشاحنة أمام الطفل، يجب أيضاً أن يكون الأبوان حائط صد وملاذ آمن للطفل عن أي معاول هدم قد تناله من داخل البيت أو خارجه مثل أن ينتقد أحدهم الطفل بطريقة تقلل من شأنه أو تؤذيه، أو يتحكم أحد الأخوة الأكبر سناً في الأصغر، البعض لايحلو له انتقاد طفله إلا أمام الضيوف أوقد يتجاوب مع انتقاد أحد الضيوف لطفله على سبيل المجاملة، دون مراعاة الأثر السلبي لهذا السلوك على الطفل، رجاء لاتفعل ذلك بل كن أنت الملاذ ومساحة الأمان لطفلك، دائماً ادعم طفلك.

2-إحذر من أعداء الاستواء النفسي لدى الطفل:

كما أشرت سابقأ أنت حائط الصد ومساحة الأمان لطفلك فلا تكن معول هدم بسلوكك معه؛ أٌجمل لكم هنا مجموعة من السلوكيات هي في رأيي المفتاح السحري والوصفة الأكثر سهولة للقضاء علي الاستواء النفسي للطفل:

التوبيخ والتأنيب:

 للأسف فإن الكثير من الآباء والأمهات لايلتفتون لمدي خطورة ذلك، فكثرة التأنيب تخرج طفلاً مهزوزاً غير واثق بنفسه يشعر بعدم التقبل وبمشاعر النقص لأنه ببساطة لاينال أي مديح علي أي شئ يفعله بل علي العكس مع كل خطأ صغير أو كبير ينال قسطاً وافراً من التأنيب والتوبيخ، حاول استبدال التانيب والتوبيخ برد فعل هادئ علي الأخطاء وبمحاولة مشفقة للفت نظر الطفل للتصرف الصائب الذي كان عليه فعله، مع الأخذ في الاعتبار أنه ليس كل الأخطاء تستحق الوقوف عندها وتصويبها.

مقارنة الطفل مع الآخرين:

لاتقارن طفلك مع أي طفل آخر سواء كان أحد إخوته أو أصدقاؤه أو أقاربه، المقارنة أحد أساليب هدم الشخصية، تٌشعر الطفل بالنقص وازدراء نفسه واحتقارها، تشعره بالعجز لأنه غير قادر علي تحقيق ماترجوه منه، تشعره بالدونية وأنه الأقل بين أقرانه، والأخطر أنها تنشئ طفلاً غير واثق من نفسه يسهل التحكم فيه ليس لديه شخصية مستقلة لأنه دائماً يقلد فلان وعلان للوصول إلي إعجاب الآخرين، وللأسف فإن المقارنة تغرس في نفس الطفل الغيرة والحقد علي من هم أكثر تميزاً منه وفق منظور والديه، لذا رجاء توقف عن مقارنة طفلك بالآخرين وركز علي نقاط تميزه ستجدها كثيرة وستفتخر به، أعدك بذلك.

الضرب والعقاب الجسدي:

لايخفى على أحد أضرار الضرب النفسية علي الطفل، قد ينسي شعوره بالألم الجسدي لكنه قطعاً لن ينسى الألم النفسي الناتج عن الإهانة والشعور بعد التقبل وعدم الأمان، أعود وأكرر أنتم حائط الصد ومساحة الأمان في حياة أطفالكم فلاتفسدوا ذلك بالضرب الذي لن يفيد ولن يحل المشكلة ولن يغرس في أطفالكم أي معنى إيجابي.

القمع وتقييد حرية التعبير:

لابد من ترك مساحة من الحرية للطفل للتعبير عن رأيه وعن شخصيته وتفضيلاته، مادام يلتزم بأدب الحديث وما يليق عند التحدث مع الأبوين، مهما بدت أفكار الطفل ساذجة او ربما تافهة في نظركم لابد من الاستماع إليه والتجاوب معه ليس فقط لأن ذلك سيشعره بالتقدير والاحترام ويزيد من ثقته بنفسه ومن خبراته وهو ما نود التأكيد عليه اليوم لتنشئة طفل سوي النفسية ولكن أيضاً لأن ذلك سيجنبكم الكثير من المشكلات التي قد تحدث عندما يتم صد الطفل وعدم الاستجابة لسماع آرائه فيذهب للبحث عن من يسمعه خارج المنزل وقد يقع في أيد غير أمينة ونحن في غنى عن هذه الدائرة الخطرة فالأسهل والأفضل هوالاستماع للطفل وإعطاؤه مساحة كبيرة من الحرية للتعبير عن نفسه وآرائه.

رفع سقف التوقعات من الطفل:

في كل مرحلة يمر بها الطفل يجب أن يكون لدينا الفهم والوعي بطبيعة تلك المرحلة وسماتها ومتطلباتها، يجب أيضا أن نفهم شخصية الطفل جيدا مانقاط قوته وما نقاط ضعفه، ماهي مميزاته وسماته الشخصية، ماهو شغفه وماذا يحب، بالتالي نستطيع أن نتوقع تصرفاته في المواقف المختلفة وعلي هذا الأساس تكون ردة أفعالنا تجاه تصرفاته منطقية وغير مبالغ فيها، إذا رفعت سقف توقعاتك تجاه طفلك وتوقعت منه مالا يتناسب مع شخصيته وقدراته وإمكاناته فأنت ببساطة تحكم على علاقتك به بالتوتر الدائم لأنك ستحاسبه علي مالايستطيع فعله، ماهو خارج دائرة استطاعته.

لايكلف الله نفساً إلا وسعها، هذه هي القاعدة الربانية في التعامل مع النفوس البشرية.

ملاحقته بالحماية بشكل زائد:

الحماية الزائدة من آفات التربية يقع فيها الكثيرون بدون قصد، أعلم أننا نعيش في زمن صعب؛ بل مخيف، ولكن لابد من التوازن في حماية الطفل حتي يستطيع تعلم كيفية مواجهة الحياة ويتعلم من تجاربه ويكون لديه استقلالية وشخصية قوية وأيضا حتي لانضيق عليه الخناق فيضطر إلي الكذب أو إخفاء حقائق ما عن الأبوين لتجنب تدخلاتهما، لاتجعلوا عصافيركم تطير من عشها هرباً من أسوار القفص، مدوا لهم الحبل ليحلقوا وأمسكوا بطرفه في أيديكم، لاتلفوه حول أعناقهم فيختنقوا ولاتتركوا طرفه من أيديكم فيضلوا الطريق.

عوامل هامة تساعد في تنشئة طفل سوي نفسياً:

الآن وبعد أن أدركنا أهمية تربية الطفل على الاستوء النفسي وتعرفنا علي مجموعة من المحاور تتضمن نقاط عدة يجب علينا كمربين الانتباه لها وتفاديها حتى لانؤذي أطفالنا أو نتسبب في عدم استواء نفسياتهم، ننتقل إلي بعض النقاط الداعمة والتي تساعدنا في تعزيز ذلك الهدف مع أطفالنا

التعبير عن الحب:

أرى أن الحب في التربية هو بمثابة العصا السحرية، الكثير من المشكلات كان يمكن حلها أو حتي تفاديها لو كان الطفل قد حصل علي مايكفيه من الحب في بيته، الجميع يحبون اطفالهم لكن لابد من التعبيرعن هذا الحب بشكل لفظي وبإظهار تلك المشاعر، النفس البشرية بفطرتها تحتاج الي الحب، هو احتياج طبيعي، إذا لم يحصل عليه الطفل في بيته سوف يبحث عنه خارج البيت، بل وسيحول هذا الحرمان العاطفي إلي وبال من المشكلات المتكررة والتمرد والمشاعر السلبية الساخطة، لذا فإن لغة الحب هي إحدي الأدوات الهامة لبناء شخصية سوية متزنة.

تعليم الطفل استبدال الأفكار السلبية بالأفكار الإيجابية:

سواء أفكاره عن نفسه، قدراته، دراسته او الحياة بشكل عام، دائماً وجه تركيزه إلي نصف الكوب الممتلئ، ترديد أفكار سلبية عن أنفسنا يولد بداخلنا طاقة سلبية تدفعنا في اتجاه محاكاة تلك الأفكار كواقع نعيشه، لذلك يجب أن يتعلم الطفل كيف يكسر هذه الدائرة ويخرج منها ويفكر بشكل إيجابي، مثلاً؛ إذا كان الطفل يشتكي أنه سمين ولديه وزن زائد وغير متقبل لشكله، يمكننا أن نوجه تفكيره بشكل إيجابي فنقول له أنت بالفعل لديك وزن زائد ولكنك جميل في كل أحوالك ، تحتاج إلي تخفيف الوزن للحفاظ علي صحتك ونشاطك لا لتصبح جميلاً لأنك بالفعل أجمل طفل، ومن ثم نقترح عليه مجموعة من الاقتراحات لحل تلك المشكلة مثل أن نمشي سويا نصف ساعة في اليوم مثلا أويشترك في نادي رياضي إن كان ذلك ممكناً ،أن نقوم معاً بإعداد وجبات صحية ونتجنب الوجبات الجاهزة الممتلأة بالسعرات الفارغة، أن يأكل الحلويات مرة واحدة فقط في الأسبوع وهكذا، هنا نكون قد أعطيناه أفكاراً عملية لحل مشكلته وأخذنا تفكيره في اتجاه إيجابي وصرفنا ذهنه عن فكرة تقييم شكله وفقا لوزنه.

إبراز إيجابياته:

من الأساليب الرائعة لاكتساب الطفل الثقة بنفسه وبالتالي استواء نفسيته أن نسلط الضوء على إيجابياته ونعددها له ونذكره بها دائماً، التركيز علي الإيجابيات يدعم الطفل ويشعره بالراحة والتقبل ويجعله يسعى ليكون أفضل ويأخذ ذهنه إلي المحاولة الدائمة لدعم تلك الإيجابيات ومحاكاتها كواقع يومي يعيشه، فلنجرب التوقف عن سرد أخطائه وتكراراها ونركز علي ذكر الإيجابيات وسنرى الفارق المدهش، مع مراعاة التوازن وعدم المبالغة حتى لايصاب الطفل بالغرور.

تطوير قدرات الطفل:

عندما نفهم شخصية الطفل وندرك نقاط قوته وأين تكمن مواهبه سوف نستطيع دعمه لتطوير تلك القدرات، وذلك بتشجيعه والحوار معه ومناقشة أهم مايمكن فعله للوصول إلي أفضل نسخة منه في هذا الجانب، أصبح الإنترنت يحوي العديد من المنصات التي يمكن تحقيق ذلك من خلالها، يستطيع كل شخص ان يختار مايناسبه سواء محتوي مدفوع أو مجاني لدعم الطفل وتنمية مايمتلكه من مهارات.

عندما يجد الطفل نفسه مميزاً في مجال ما سوف يعيش حالة من الشعور بالنجاح والإنجاز والشعور بقيمة الذات ولن يقارن نفسه بأي شخص لأننا نعمل في اتجاه إشعاره بأن كل شخص هو نسخة فريدة لاتتكرر.

التربية علي تحمل المسؤولية:

يكون ذلك في عمر صغيرة لابد من وضع ذلك الهدف في أذهاننا أثناء رحلة التربية، لابد من تعويد الطفل حسب المرحلة العمرية علي خدمة نفسه والمشاركة في المهام المنزلية سيكتسب الثقة بالنفس ويتعلم ان الحياة مشاركة وأن الكوكب لايدور حوله هو فقط، كل هذا ضروري جدا وهام لتنشئة طفل غير اتكالي لايري نفسه محور الكون، طفل غير عاجز لديه من المهارات الحياتية مايستطيع بها تسيير أموره الشخصية.

التواصل الفعال:

يحتاج الطفل إلى من يستمع إليه وينصت إلى اهتماماته، من المهم الإنصات الجيد للطفل والتركيز معه عندما يتكلم وأيضا التفاعل مع ما يقوله ويعرضه من أفكار أو حتى ثرثرة عادية، الاستماع بإنصات إلى اليوميات البسيطة البريئة التى يحكيها الطفل كل يوم عند عودته من المدرسة هي أحجار بناء في منتهى القوة في علاقتك بطفلك، وإنصاتك له وتفاعلك معه وتقدير ما يقول هو الضمانة لعلاقة قوية مع هذا الطفل عندما يصبح مراهقاً، ستجعل منك أنت الشخص الأول الذي يفكرفيه عندما يمر بمشكله او يقع تحت وطئة أي من تحديات الحياة.

أعلم أن قراءة هذا المقال تستغرق دقائق معدودة بينما تطبيق ماجاء فيه يحتاج إلي الكثير من الوقت والجهد والإصرار،فالتربية ليست سهلة و قد نخفق أحياناً وهذا ليس عيباً ولكن الأهم أن نستمر في المحاولة ونقيم أدائنا باستمرار.

 

 

 

تعليقات

  1. ما شاء الله مقال جميل جدا ..ونود الاستزادة بأمثله أكثر وتجارب عملية يصبح كتاب متكامل ما شاء الله..ويا ليت اسماء بعض المواقع او برامج تساعد أبناءنا في قضاء الوقت بطريقة مفيدة وتزيد من مهاراتهم…ولك كل الشكر والتقدير

    ردحذف
  2. مقال رائع!

    ردحذف

إرسال تعليق