الحساء الساخن والكعك المنزلي وأشياء أخرى


مما لا شك فيه أن الأم هي عماد الأسرة، وهي تسعي جاهدة ولا تدخر وسعاً في محاولة إسعاد أفراد عائلتها، وتوفير كل سبل الراحة والسعادة والحماية لهم؛ فيجتهد الأبوان دائماً في توفير كل ما من شأنه تحسين وتطوير قدرات أطفالهما من ألعاب وبرامج وأجهزة حاسوب، كما لايألوان جهداً في توفير جميع احتياجات أطفالهم المادية أساسية كانت أم كمالية. ولعل ذلك دور أصيل للأبوين، وحق مكفول للأبناء، ولكن قد يتصور البعض أنه طالما لم يقصر مادياً مع أطفاله، وطالما أن جميع احتياجاتهم تلبي وجميع طلباتهم تجاب، فقد أتم دوره وبلغ من المثالية مايضرب به الأمثال، ولعل تلبية الاحتياجات أمر محمود، وفعل مشكور، ولكن يجب ألا نغفل الجوانب المعنوية والاحتياجات النفسية في تربية وتنشئة أطفالنا، وهي كثرة وتحتاج إلي مساحات كبيرة للحديث عنها بالتفصيل، لكن سوف أعرض هنا لجانب واحد من هذه الجوانب وهو ارتباط الطفل نفسياً ووجدانياً بمنزله وعائلته، وعن ذلك الرصيد من الذكريات والمواقف الجميلة التي تشكل وجدان الطفل، وتكون خبراته وتصوراته عن قيمة الأسرة، بل وتصوراته عن نفسه وحياته وأسرته المستقبلية، فكم هو جميل أن نساعد أطفالنا في صنع وتكوين مجموعة من الذكريات الجميلة، والتي تحفر في ذاكرتهم وتكبر معهم، وترسم لهم خطاً واضحاً لنمط حياتهم وعلاقاتهم العائلية مستقبلاً.
قد يكون من السهل أن نرفع سماعة الهاتف؛ لنطلب وجبة الغداء من أحد المطاعم الشهيرة، ونحن نتخيل بذلك أننا قد أدينا واجبنا في تأمين وجبة غداء فاخرة شهية لأطفالنا، بل وقد أسعدناهم وأدخلنا إلي قلوبهم البهجة.
قد يكون ذلك جميلاً لو فعلناه مرة واحدة كل فترة طويلة، ولكن لايجب بحال أن يصبح ذلك السلوك عادة لدينا، أو أن يتحول إلي البديل الحاضر دائماً عند أي طارئ أو ضيق في الوقت.
فمهما بلغت الوجبات الجاهزة من الترتيب والتنميق، فلن تستطيع بحال جلب ذلك الدفء الذي ينبعث في أرجاء المنزل، حين تدخل الأم إلى مطبخها وتشرع في تجهيز وجبة غداء لعائلتها، أو صنع كعكة منزلية بسيطة في عطلة نهاية الأسبوع، أو إعداد حساءً ساخناً في أمسيات الشتاء الباردة.
فقبل أن تشرع في تجهيز أي من هذه الأشياء، تكون بالفعل قد بدأت في عزف لحن جميل من الحب والاهتمام والعناية والبذل والدفء الأسري؛ فمجرد تفكيرها، ثم الشروع في التجهيز وخطوات الإعداد هي توصل رسالة مع كل خطوة من هذه الخطوات، مفادها أنها تحب عائلتها، تعتنى بها، تخاف عليها، وتحرص علي صحتها ونظافة وجودة مطعمها ومشربها.
كثير من المشاعر الإيجابية تصل إلى الأطفال في صدق جميل، ولاتقف أهمية ذلك عند مجرد المشاعر، بل تتعداه إلي سلوكيات إيجابية، وخبرات عملية وقيم هامة للحياة يكتسبها الأطفال من اعتيادهم علي مثل هذه الممارسات العائلية، بدايةً من تجهيز طاولة الطعام، وترتيب الأدوات عليها، ثم تناول الطعام في أجواء عائلية دافئة، ثم التعاون فيما بينهم لرفع الأطباق، ثم تنظيفها إلي آخر هذه الخطوات والتي قد لانقف عندها كثيراً، فهي جزء من عادتنا أو روتيننا اليومى المعتاد؛ لكن وبالرغم من ذلك يستطيع الأطفال من خلالها تعلم الكثير من قيم التعاون والمشاركة والإنجاز، وإتقان العمل، ويتشكل في وجدانهم الصغير حب العائلة، وأجواء الاجتماع الحميمة والتآلف والبهجة، وتشارك المهام والإيثار، فتتحول اجتماعات العائلة علي الطعام من نشاط يومي روتيني، إلى منشط مبهج ثري، نابض بالحب، غني بالقيم والسلوكيات الهامة، فيخرج للمجتمع أطفال أسوياء فاعلين إيجابيين منتجين، يقدرون معني المشاركة ويقدسون قيمة العائلة، ويعرفون أهمية الارتباط الأسري.

تعليقات