المرأة المسلمة ونسيان الذات


تعاني المرأة في مجتمعاتنا العربية من تراكم الضغوط والأعباء، نتيجة لعدة أمور متشابكة، لعل من أهمها: ثقافتنا الشرقية، وتركيبة المجتمع، ومنظومة العادات والتقاليد.
فالمرأة في مجتمعاتنا هي الأم والزوجة والأخت والابنة والمعلمة، ومطلوب منها أن تقوم بواحد أو أكثر من هذه الأدوار علي مدار مراحل حياتها، ولعل كل امرأة تتفاني في أداء الأدوار المنوطة بها، ولكلٍ نجاح في مجال من مجالات حياتها تجتهد وتبتكر لتؤدي دورها علي الوجه الأكمل، حرصاً علي سعادة أسرتها ومن حولها، ولكن في ظل هذه الضغوط والأعباء والأدوار المتشابكة قد تنسي أو تتناسي نفسها، فتنشغل بتفاصيل ودقائق مسؤولياتها ومهامها، لتجد نفسها وقد انغمست في دوامة لا متناهية، تسحب رصيد حياتها وأيامها شيئاً فشيئاً، حتى تتفاجأ أنه قد مضي الكثير من الزمن دون أن تحقق أهدافاً وطموحات خاصة بها، أو لعلها تستسلم لتلك الدوامة فتكتفي بما تحققه من أهداف مشتركة علي مستوي الأسرة.
 ولعله من الجميل أن تكون هناك أهداف جامعة للأسرة، يسعي كل فرد فيها لوضع لبنة في اتجاه تحقيق تلك الأهداف، ولكن لابد أن تعلم كل امرأة أنها وبالرغم من سمو رسالتها وهدفها كأم وربة أسرة ترعي وتربي وتوجه، فإنه لتحقيق هذه الرسالة لابد وأن تتزود هي لنفسها وأن تكون قد أدت حق نفسها بالدرجة الأولي حتى تستطيع أن تؤدي حقوق الآخرين. فالإناء بما فيه ينضح، وكيف يتسنى لها أن تكون الأم مبعثا للعطاء ودافعا للنجاح في ذات الوقت الذي تهمل فيه ذاتها وتعجز عن استثمار طاقاتها و قدراتها.
فلا يجب أن تتحول المرأة إلي شمعة تحرق ذاتها لتضئ للآخرين، ولكن شمساً يسطع ضؤوها وينبعث دفؤها المتجدد بالحياة، ثم تغيب قليلاً لتعاود إطلالتها المشرقة كل صباح، فتدب الحياة في أرجاء هذا الكون.
وهكذا يجب أن تكون المرأة المسلمة تتزود من نفسها لنفسها، فتسعد ويسعد من حولها. ولعل هناك الكثير من الجوانب المهمة التي يجب أن تهتم بها كل امرأة تتطلع إلي سعادة الدارين. فبداية ًيجب أن تدرك تمام الإدراك أن حياتها هذه ما هي إلا جواز مرور إلي حياة أخري أطول وأدوم وأبقي، وما وجودنا في هذه الحياة إلا اختبار رباني حدد فيها المولي عز وجل مبتغاه من خلقه (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)سورة الأنعام162،  فإذا وعت كل امرأة هذه الآية ستتحول تفصيلات حياتها اليومية إلي عبادة مطولة متجددة، تراقب الله تبارك وتعالي فيها في كل حركة وسكنة؛ فتتحول عاداتها اليومية الرتيبة إلي عبادات تؤجر عليها، وتسعد بها من حولها فتتحول شؤنها المنزلية من ترتيب وتنظيف وطهي ورعاية لأبنائها إلي أمور تعبدية، تبتغي بها الثواب من ربها. كل ذلك بمراعاة النية وتجديدها وإخلاصها لله عز وجل قبل البدء في أي أعمال منزلية أو حياتية، فيتحول نومها وصحوها وعملها إلي عبادة تؤجر عليها، فتُسعد أسرتها في الدنيا وتسعد هي بثواب الله عز وجل في الآخرة.
ومن كياسة المرأة أن تجعل لنفسها وقتاً تتزود فيه لآخرتها، فلا يتحول يومها إلي ساعات متواصلة من العمل داخل المنزل وخارجه. بل لابد لها من زاد يعينها علي المضي في مهماتها وتحمل تبعات مسؤولياتها وأدوارها في الحياة. فتحرص علي أداء صلواتها المكتوبة علي أوقاتها ولا تنشغل في أمورها وأعمالها المنزلية عن الوفاء بحق الله في الاستجابة السريعة لنداء المؤذن.
 كما تحرص أن يكون لها ورداً يومياً من القرآن الكريم تتعبد به لربها، فتهدأ به النفس وتسكن وترتاح إلي جميل خطاب الله عز وجل؛ فيكون لها نبراساً في حياتها، ونوراً في قبرها وشفيعاً يوم العرض. ومن الجميل أن يكون لها نصيب من أذكار وأدعية اليوم والليلة؛ فتحرص علي أذكار الصباح والمساء وترتب لنفسها ورداً من التسبيح والاستغفار والذكر لا يفوتها يومياً؛ وبذلك يكون زاد المرأة الإيماني دافعاً لها علي المضي والإنجاز في حياتها فتصير سعيدة مطمئنة راضية.
وعلي جانب آخر فإنه يجب علي المرأة المسلمة أن تكون امرأة طموحة لها روح وثابة ونفس عالية الهمة؛ فتحرص دائماً علي الارتقاء بنفسها، واستثمار قدراتها وتفريغ طاقتها فيما يعود عليها بالنفع فتدرك تمام الإدراك أن الوقتهو الحياة وأن عمرها ماهو إلا دقائق معدودة محسوب بحجم ما أنجزت خلال أيامها؛ فلا تصرف وقتها فيما لاينفعها ولاتضيعه فيما لاطائل من ورائه، فتحرص دائماً علي شغل أوقاتها بكل ماهو نافع لها في دينها ودنياها ؛فتحدد لنفسها أوقات مناسبة للقراءة والمطالعة، وتختار كتاباً تلزم نفسها بإتمامه كل شهر مثلاً، فالقراءة غذاء للروح وارتقاء بالنفس ووقود للعقل، وبذلك تقضي وقتها في قراءة كتاب أو الاستماع إلي محاضرة مفيدة أو مجالسة رفيقات يعينونها علي أمر دينها ،وهكذا ومع مرور الوقت والمداومة علي كل ماهو نافع تجد نفسها وقد ارتقت وتزودت ولو بالقليل فإن أحب الأعمال إلي الله أدومها وإن قل.
ومن الضروري أن يكون للمرأة وقت خاص بها تقضيه في الراحة، أو فيما تحب من هوايات تروح بها عن نفسها، وتكسر بها روتين الحياة اليومي؛ فالعمل المستمر والضغط المتواصل يصيب النفس بالملل والتبلد، ويدعو إليالفتور وضعف الإنجاز فإنه من لا يتقن فن الراحة، لا يتقن فن العمل؛ فالتفاني في إسعاد الأسرة لا يصح أن يترجم بحال إلي إهمال النفس، وتراكم الضغوط، فدائماً المرأة هي الرافد الذي يغذي أفراد الأسرة بالاهتمام والحب والدعم وطاقة الإبداع والإنجاز؛ لذا فاهتمامها بنفسها هو من صميم سعادتها وإسعادها لأسرتها ولمن حولها؛ فترعي حق نفسها من اهتمام وعناية وطاعات تقربها من الله عز وجل، وتنمي عقلها بالقراءة والاطلاع، وتروح عن نفسها بهوايات نافعة محببة وتراقب سلوك نفسها وتزكيها؛ فيصبح لها من نفسها علي نفسها رقيباً ومرشداً ومعلماً فتسعد وتُسعد من حولها، وهكذا ينبغي أن تكون المرأة المسلمة زهرة جميلة متفتحة ينتشر عبيرها ليعطر الآفاق.

تعليقات