أطفالنا والقرآن


من المؤكد أن الكثيرين يتمنون أن يحفظ أبناؤهم كتاب الله عز وجل، وأن يكونوا من أهل القرآن وحفظته؛ يحملونه في صدورهم، ويرطبون ألسنتهم بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.
يمشون به فى الناس أخلاقاً وسلوكاً وتحضراً، كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلمقرآناً يمشى على الأرض؛ من المؤكد أن الكثيرين يتمنون ارتداء حلة الكرامة، أو تاج الوقار يوم القيامة، لقاء حفظ أبنائهم للقرآن الكريم، قد يحلم الجميع ويتمنى لكن ما يميز كل شخص عن الآخر هو السعى والعمل؛ والخروج من حيز الكلام إلي حيز الفعل والعمل والتطبيق.
 فالأجيال القرآنية تُصنع في محاضن التربية المنزلية، فمن أراد أن يُربى طفلاً مهذباً راقياً؛ فعليه بالقرآن، ومن أراد أن يرى طفله متفوقاً مجتهداً متميزاً في دراسته فعليه بالقرآن، ومن أراد أن يصنع أفراداً أقوياء الشخصية، غير تابعين ولا مقلدين يحملون هم أمتهم ودينهم، ويشاركون في رفعة شأن مجتمعاتهم فعليه بالقرآن؛ الكثير والكثير من المأثر والتي قد لاتتسع لها السطور، وليس هذا بقليل على صاحب القرآن، فإنما القرآن سلاحٌ ماضٍ فى يد من يضرب به بقوة.
فقد كان حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم يجمع الشمائل والصفات المميزة والعبقرية، وقد "كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن"رواه مسلم، وقد ورد في قول مأثور أنه (من أراد الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن، ومن أرادهما معاً فعليه بالقرآن).
إذن ما أسعده من طفل، ذلك الذى يأخذ أبواه بيديه ليضعانه على درب أصحاب القرآن، ويربطانه بالقرآن منذ نعومة أظفاره، ولعل عند الحديث عن القرآن يتخيل البعض أن المقصود هو حفظ القرآن واستظهاره فقط، وبالرغم من أهمية ذلك لكن الحفظ مجرد عامود من أعمدة البناء القرآنى، فالتربية القرآنية التي تصنع أجيالاً مميزة، تحتاج إلى ماهو أبعد من مجرد الحفظ والاستظهار، فالنصوص القرآنية إن لم تجد طريقها إلى أرض الواقع فى صورة سلوكيات وأخلاق ومعاملات، وفهم لمقاصد الدين لن تؤثر فى شخصية من يحملها، وبالتالى لن تنعكس فوائدها على المجتمع.
فالقرآن هو معجزة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، والإعجاز هنا لا يقتصر علي الإعجاز اللفظي والبلاغي للقرآن، وإن كان بالفعل إعجاز تحدى قدرات العرب البلاغية؛ ولكن إعجاز القرآن يمتد ليشمل النفس البشرية، وهنا مكمن المعجزة القرآنية التى صنعت رجالاً، مثل: عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وسائر صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، فقد حولتهم من رجال يعبدون الأصنام، ويعادون النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجال يحملون هم الدين، ويذودون عن النبي صلى الله عليه وسلم بحياتهم، بل يحملون رسالته من بعده ويبلغونها فى الآفاق.
إذن القرآن دليل لصياغة الحياة كما يرضاها الله عز وجل، وهو مصنع لإخراج العظماء وإعمار الكون، وبلوغ الغاية من خلق الإنسان وهي الاستخلاف فى الأرض.

واجبات عملية للأبناء:
وحين نتحدث عن أبنائنا وعلاقتهم بالقرآن الكريم، فمن المفيد أن نحدد واجبات عملية، ندربهم عليها بحسب أعمارهم ونطبقها معهم حتى تصيرلهم عادة ويألفونها؛ فمن أفضل الوسائل في تربية الأبناء تعويدهم على مجموعة من العادات الجميلة ومتابعتها معهم حتي تصبح جزءاً أساسياً من حياتهم.
وفي السطور التالية سأعرض مجموعة من الاقتراحات تساعد علي ربط الأبناء بالقرآن، ومساعدتهم على تكوين علاقة يومية معه تساهم في فهمهم لروحه ومقاصده:
أولاً: الحرص على سماع أطفالنا للقرآن يومياً، فيطهرون به قلوبهم وينظفون به أسماعهم، فيتم تشغيله في البيت خلال اليوم بصوت مرتفع قليلاً، يسمعه الجميع صباحاً خلال استعدادهم للذهاب إلي المدرسة، أو مساءً خلال تناولهم للعشاء واستعدادهم للنوم، وبالتأكيد تحديد الأوقات متروكا لكل أسرة بحسب ظروفها وطريقة تنظيمها ليومها.

ثانياً: أن يكون لأبنائنا ورد يومي من تلاوة القرآن ولو صفحة واحدة، أو بضع آيات كلٌ بحسب عمره، وياحبذا لو ربطنا وقت التلاوة بوقت المذاكرة، فيقرأ الطفل بعض الآيات قبل شروعه في استذكار دروسه، فينشرح صدره، ويستجلب التوفيق من المولى عز وجل، وبالنسبة للأطفال الأصغر الغير قادرين على القراءة، يمكننا أن نجعلهم يقرؤون سورة واحدة أو أكثر مما يحفظون من قصار السور.

ثالثاً: أن يكون لأطفالنا ورد أسبوعي لحفظ القرآن، سواء حفظ الطفل في دار تحفيظ أو مع أحد والديه، ومن الممكن توفير المصحف المعلم للأطفال على جهاز الحاسوب أو الجهاز اللوحى الخاص بالطفل.

ثالثاً: الاهتمام بمادة التربية الإسلامية ومذاكرتها مع الطفل، بنفس الاهتمام الذي نوليه لباقي المواد الدراسية بل أكثر، مع متابعته وتشجيعه ومكافأته على حفظ السور القرآنية المقررة عليه في المنهج المدرسي.

رابعاً: الحرص على قراءة سورة الكهف يوم الجمعة بشكل جماعي في الأسرة، فيمسك كل طفل بمصحفه، حتى ولو كان لايستطيع القراءة، فتصبح عادة طيبة لدى الأطفال، ومن الجميل لو تم إلقاء الضوء بشكل سريع على فضل سورة الكهف وثوابها، مع التعرض لبعض القصص الواردة فيها.

خامساً: تناول قصص القرآن مع الأطفال فهي مشوقة لهم، وفي الوقت نفسه تربطهم بكتاب الله عز وجل وتعلمهم الكثير، وهنا نجد العديد من الوسائل لتناول قصص القرآن مع الأطفال، سواء بأن يحكيها لهم أحد الأبوين، أو توفيرها لهم في شكل أفلام كرتونية أو قصص مطبوعة للأطفال الأكبر سناً، أو تحميل بعض التطبيقات وغيرها الكثير من الوسائل المتاحة للجميع كلٌ بحسب ظروفه.

سادساً: أن يكون تمييز الأبناء ومكافأتهم وتحفيزهم منخلال القرآن فمثلاً: من يحفظ السورة الدراسية المقررة عليه في المدرسة، ويستظهرها دون أخطاء نرصد له مكافأة مالية أو هدية قيمة. من يقرأ ورده اليومى بانتظام لمدة أسبوع له هدية يختارها بنفسه، من يلتزم بالصفة الخلقية القرآنية الأسبوعية، ويطبقها بشكل أكبر هو من سيختار مكان التنزه لعطلة نهاية الأسبوع.
(نحدد معهم صفة أسبوعية، أو التخلق بالأخلاق الحسنة، مثل: الصدق، الرفق، الأمانة، الاتقان، النظام، النظافة، إلخ. ونحدد عدة مظاهرسلوكية واضحة للصفة) وياحبذا لو اخترنا آية من القرآن، ترشد لهذه الصفة وكتبناها بخط واضح وعلقناها في مكان بارز في المنزل.

سابعاً: تعريف الأبناء ببعض السور التى اختصتها السنة النبوية بأفضال معينة، مثل: سورة الواقعة، وسورة الدخان، وسورة الملك، وسورة البقرة، وسورة آل عمران علي سبيل المثال.
وقبل كل ماسبق وبعده أن تظل ألسنتنا تلهج بالدعاء: أن يجعل الله عز وجل أبنائنا من حفظة كتابه، وأن ييسر لهم حفظه وتلاوته وتطبيقه، وأن يحببه إلي قلوبهم، ويجعله لهم ولنا طريقاً إلى الجنة، مع الأخذ في الاعتبار أن نحاول قدر الإمكان أن نصنع لأنفسنا علاقة قوية مع القرآن، حفظاً وتلاوةً وسلوكاً؛ تقرباً لربنا وقدوةً لأبنائنا.

تعليقات